الركود الاقتصادي من أخطر المشكلات التي عانى منها الاقتصاد العالمي، ونظراً لأن البلاد الإسلامية عضو في المجتمع الدولي، لم تفلت هي الأخرى من الركود الاقتصادي، وقد كثرت الكتابات حول طبيعة وأبعاد المشكلة وطرق الوقاية والعلاج منها·
فبعضهم يرى أن السبب الرئيس للركود الاقتصادي هو نقص الطلب الفعَّال، ويرى آخرون أن من مظاهر الركود زيادة المخزون من السلع والبضائع وعدم وفاء التجار بالتزاماتهم المالية، إضافة إلى إحجام المؤسسات المالية عن منح التمويل المطلوب للأنشطة الاقتصادية، ويضيف آخرون بأن السبب الرئيس للركود الاقتصادي هو ما نشاهده من الأحداث العالمية الحالية·
وفي محاولة للخروج من مأزق الركود الاقتصادي، يعكف بعض الاقتصاديين على دراسة ما وضعه الاقتصادي الشهير <كينز> بضرورة التدخل للعمل على التأثير في حجم الطلب الكلي الفعلي، فدعا إلى ضرورة خفض الفائدة وزيادة الإنفاق الحكومي الاستهلاكي والاستثماري، وتخفيض الضرائب في فترة الأزمة حتى يرتفع الحجم الكلي للطلب الفعَّال والاستثماري، وتخفيض الضرائب في فترة الأزمة حتى يرتفع الحجم الكلي للطلب الفعَّال ونادى بعكس ذلك حينما يصل النظام إلى مرحلة التوظيف الكامل، وتلوح في الأفق مخاطر التضخم، وعلى الرغم من كثرة الحلول والمقترحات لعلاج الركود الاقتصادي، إلا أن الركود يعم أنحاء المعمورة، من هنا اتجهت بعض الدراسات إلى البحث عن وسائل في الاقتصاد الإسلامي في معالجة الركود الاقتصادي(1)، وتبين من هذه الدراسة الموجزة أن إحدى الوسائل التي وضعها الإسلام لعلاج هذه الأزمة هي فريضة الزكاة وإمكاناتها نحو التأثير في علاج الركود الاقتصادي·
الركود الاقتصادي: هو انخفاض في الطلب الكلي الفعلي يؤدي إلى بطء في تصريف السلع والبضائع في الأسواق، ومن ثمَّ تخفيض تدريجي في عدد العمالة في الوحدات الإنتاجية، وتكديس في المعروض والمخزون من السلع والبضائع وتفشي ظاهرة عدم انتظام التجار في سداد التزاماتهم المالية وشيوع الإفلاس والبطالة·
فريضة الزكاة وأثرها في الحد من الركود الاقتصادي
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد وردت آيات كثيرة بشأن الزكاة وقد بيَّن أحد الكتاب(2) أن الزكاة تكررت في أكثر من ثلاثين آية من آيات القرآن الكريم، وجاء الأمر بها مقروناً بالصلاة في معظم الآيات الكريمة ما يؤكد اهتمام القرآن بالزكاة قدر اهتمامه بالصلاة، يقول الله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) البقرة:011، وقوله تعالى: (هدى ورحمة للمحسنين· الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) لقمان:3ـ4·
والزكاة لها دور فعَّال في التضييق على عناصر الإنتاج المعطلة، ولها مقدرة فائقة في محاربة البطالة، ولها أثر واضح في توزيع الدخل والثروة، كما أن بعض أحكام الزكاة لها تأثير دائم نحو الحد من الركود الاقتصادي·
الزكاة وعناصر الإنتاج المعطلة <رأس المال ـ العمل>
أولاً: رأس المال
جاء الإسلام ودعا الناس إلى أن يتحرروا من عبودية الدرهم والدينار، وأن يعملوا على تحريك رأس المال واستثماره وإنفاقه بما ينفع المجتمع، وشدد الحملة على كنز المال وتجميده وتعطيله عن أداء رسالته في الحياة الاقتصادية، ونزل في ذلك آيتان من كتاب الله تهددان بأشد الوعيد للكانزين الأشحاء فقال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم· يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) التوبة: 34ـ 35· والاكتناز في الفكر الإسلامي يشمل منع الزكاة وحبس المال، فإذا خرج منه الواجب لم يبق كنزاً، والواجب من وجهة نظرنا يشمل الزكاة ـ الإنفاق ـ الاستثمار ـ فلا يخرج المال من دائرة الاكتناز إلا إذا تم إخراج الواجب أي الزكاة، العفو، النفقات، الصدقات، مداومة الاستثمار، والإسلام لم يقف في محاربة الكنز عند حد التحريم والوعيد الشديد، بل خطا خطوة عملية لها قيمتها وأثرها في تحريك النقود المكنوزة وإخراجها من مكانها لتقوم بدورها في إنعاش الاقتصاد، وتمثلت هذه الخطوة في فريضة الزكاة، ويتبين أثر فريضة الزكاة في تشغيل رأس المال واستثماره، من أن الشارع أوصى بتثمير المال ليدفع المسلم الزكاة من ربحه، وبذلك يحافظ على رأسماله ويعمل على تنميته، تتضح هذه الحقيقة من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة استثمار الأموال حتى لا تأكلها الزكاة، فقد قال <من ولي يتيماً له من ماله فيتجر منه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة>(3)، وقد علق أحد الباحثين على هذا لحديث فقال: <فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر الأوصياء باستثمار أموال اليتامى، فمن باب أولى أن ينمِّي الإنسان ماله ليدفع الزكاة من ربحه في سهولة ويسر، أما إذا لم يقم باستثماره وتركه عاطلاً كان للمجتمع حقه فيه وهو الزكاة التي تعتبر في هذه الحالة عقوبة على الاكتناز·(4)
وقد تبيَّن لنا في العصر الحديث مضار الاكتناز وكيف أنه يؤدي إلى الركود الاقتصادي، حيث يحول دون نشاط التداول النقدي، وهو ضروري لإنعاش الحياة الاقتصادية في المجتمع وحبس المال تعطيل لوظيفته في توسيع ميادين الإنتاج وتهيئة وسائل العمل للعاملين·
وقد لفتت هذه الخاصية نظر بعض الكتاب، فقد علق عليها بعضهم فقال(5) <لم يعرف العالم بأسره نظاماً اقتصادياً مثل النظام الإسلامي في حله لمشكلة تراكم الثروة المعطلة دون أن تستثمر في تحسين الأحوال المعاشية للمجتمع، والزكاة تعمل على سرعة دوران رأس المال إذ إنها تشجع صاحب المال بطريق غير مباشر على استثمار أمواله حتى يتحقق فائض يؤدي منه الزكاة، ومن ثمَّ فقد استفاد صاحب المال من استثماره بالربح، وأفاد المجتمع بأداء حق المستحقين بالزكاة، وهذا ما يؤدي إلى دوران رأس المال وتحريكه، فالزكاة دافع للأموال نحو الاستثمار، ونظراً لأن الإسلام لا يتعامل بالفائدة، فإن هذه الاستثمارات ستكون في أصول إنتاجية تحتفظ بالقيمة الحقيقية لرأس المال في صورة قوة شرائية حقيقية·