يبدو ان الحب هو الحقيقة الوحيدة التي تسكن التاريخ وتمتد معه وتتخطاه،الحقيقة الوحيدة التي تتخطى الجغرافيا والتاريخ والحدود، لكنها الحقيقة المغيبة دوما. قيس وليلى، جميل وبثينة، عنترة وعبلة قصص الحب الخالدة، فهو حقيقة يومية يعيشها الناس في كل مكان وقصصه لا تنتهي يختلط بكل شيء في حياتنا ومن المؤكد أننا عرفناه في يوم أو عشناه، توجناه بنهايته السعيدة أو فشلنا وواجهنا الصعاب وحملناه معنا ذكرى حلوة أو قاسية تبهجنا أو تسقينا المرارة، لكن المؤكد هو أننا لن ننساه بل سنعيشه مرة أخرى. لم يتوقف التاريخ ولم يتوقف الحب منذ فجر البشرية الأول وحتى وقتنا ولما اخترع البشر التواريخ والمناسبات لتذكير أنفسهم بما ينسونه في زحمة اللهاث، واليوم التقينا بعشاق من القرن الحادي والعشرين في قصتين ترينا كيف أن (الحب) هو امتحان البشر الأهم ففي خضمه يبرز النبل والشهامة ويبرز الاسوأ فينا أيضا ، فقلب الإنسان مازال كما هو يخفق للحب. ومازال الناس يسطرون قصص حبهم الخاصة ويعيشون الحب بكل أوجاعه وغصاته وسعادته أيضا. زوجان تحدثا لنا، لكنهما طلبا عدم كتابة اسميهما فأسميناهما (محمد) و(وحيدة) فالحب رديف الخجل أيضا، لكن قصة هذين الزوجين قصة حب معاصرة تماما تستحق أن تروى. تزوجا منذ ما يقرب الثلاثة أعوام بعد قصة حب استمرت لأربع سنوات، ثمرة الحب والزواج اليوم طفلان. يتذكران أيام الحب يقول محمد (عذبتني وعذبني حبها) أما هي فتبتسم ابتسامة المنتصر وترد عليه (هل ظننت الحب لعبة). لم تكن كالأخريات في الصف كانت هادئة ومنطوية والغريب أنني من الأشخاص الذين لا يفضلون هذا النوع من الفتيات كنت دائما ما أهزأ بها وبحركاتها الهادئة التي تتفرد بها من دون غيرها من الطالبات، حتى جاء يوم لا أعرف ما الذي جرى لي فيه من دون أي مقدمات، قلت لصديقي هذه البنت أحبها، كيف ولماذا؟ لا أعرف كل ما أعرفه هو أنني وقعت فريسة للسهر والعذاب. قلب العاشق هي كما قلت خجولة وهادئة وكان من الصعب أن تعطيني فرصة لأعبر لها عن حبي، حاولت توسيط بعض زميلاتنا في الفصل ليخبروها عما أعانيه من احاسيس قلبت موازين حياتي دون جدوى الأدهى أن البعض منهن حاولن التفريق بيننا ومنع استمرار تلك القصة مما زاد آلامي. أني كنت أراها تتلذذ بتعذيبي، كنت أدرك من أعماقي أنها تبادلني الشعور لكنها تكابر بعد هذا كثر عذالنا وانتشرت الأكاذيب وأحاطتنا الشائعات حتى وصل بي الحال إلى أن أهجر دراستي وأعمل وأسافر لأكمل دراستي في بلد آخر، وعلى رغم كل ذلك لم أيأس من حبي . وبعدها جاهدت حتى تمكنت من التقدم لأهلها وكانت تلك خطوة صعبة لأنني فقير الحال وكالمعتاد اخذ الاهل رأيها، هي وبكل إيمان قالت (ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) ما دامت أخلاقه لا تعيبه . تتدخل (وحيدة) في الحديث لتقول ضاحكة (قدمي خير عليه) تقصد أن وجودها في حياته غيرت من الأمور نحو الأفضل ،تضيف كم أشعر بالفخر وأنا أسير بالقرب منه، أمام كل من حاول تشويه صورته أمامي، وأمام أولئك الذين لا هم لهم غير القيل والقال من دون وجه حق ومن دون مخافة الله عز وجل . الحب والكرامة لم يجد احمد (29 سنة) الذي يعمل إداريا أي حرج في الحديث عكس جميع من شاركنا ذكريات قصة حبه لكن اسمعوا كلمته الأولى اذ قال: قصة حبي هي سبب غربتي . أنا من أسرة محافظة ميسورة الحال أنا الابن الأصغر أو كما يقولون آخر العنقود، من بين خمسة أولاد وبنتين ، كنت أتردد على المخبز الذي يمتلكه والدي، وحدث أن دخلت المخبز زبونه أحببت أن أتعرف عليها من قبيل التسلية لا أكثر تبادلنا النظرات ثم الابتسامات إلى أن عرضت علي إحدى الفتيات التي اعرفهن السعي للتعرف عليها . تم التعارف بالفعل ووجدت قبولاً لدى الفتاة بل هي من بادر بالاتصال بحجة الاطمئنان علي بعد نكسة صحية أصبت بها انتهزت الفرصة بدوري وطلبت منها أن تقابلني لكنها رفضت فهي من أسرة محافظة إلا أنها أخبرت ابنة خالتها بالأمر فهي جريئة وهي من ساعدتنا على اللقاء ومن تلك الساعة دخلت الفتاة قلبي لا كفتاة للتسلية بل كحبيبة وزوجة، كنت حينها في الرابعة والعشرين من عمري وهي لم تتجاوز العشرين ربيعا . عندما تنقلب الأحوال يواصل احمد قصته بعد أسبوعين قابلت والدتها ووجدت فيها قبولاً وترحيباً بي وكذلك الأمر بالنسبة إلى أختها وزوجها عرضت الأمر على والدي، كان موافقا على الخطبة وجميع الأمور سارت على خير ما يرام إلى أن جاء اليوم الذي لم يكن في الحسبان . لكن البدايات السعيدة لا تستمر في الحب فهو يبدو دوما ليس شأنا بين اثنين بل شأن يثير فضول الآخرين للتدخل وطالما تدخل الآخرون تجيء لحظات الألم. كان والدي كعادته يجلس أمام المخبز وحدث أن مرت ابنة خال حبيبتي مع شاب غريب وهي فتاة لعوب وجريئة وغير محتشمة في ملابسها ولوجود خلافات بيني وبين أخي الذي يكبرني، استغل الفرصة ووسوس لأبي، قال له إنها قريبة من أريد خطبتها، ليعلن أبي رفضه القاطع للاقتران بها . مثلما تدخل الآخرون، جاء دور آخرين للوساطة والمساعي الحميدة حاولت زوجة أخي التوسط عند والدي، خصوصا أن حبيبتي تختلف عن قريبتها فهي محترمة جدا ولكن من دون جدوى ولأنني أعرف تماما أن والدي لا يتراجع عن كلمته، أعلنت رفضي للزواج من دونها وخاصمت والدي عاما كاملا باستثناء السلام. عرف الناس أننا مخطوبان لبعضنا وحرام أن أتخلى عن بنت شريفة ومحترمة لا ذنب لها فيما تقوم به قريبتها كيف أواجه أهلها بعد الوعد الذي قطعته مع ابنتهم . كان يوما صعبا ذاك الذي حاولت فيه أن أوضح لأهل محبوبتي موقف والدي من الخطبة وقعت والدتها مغمياً عليها وعندما أفاقت سقطت محبوبتي بين يدي مغمياً عليها من هول الفاجعة أوضحت لخالتها الموقف وهي امرأة متزنة وتعزني، قالت إن مخالفة الأهل في الزواج لا يبارك الحياة الزوجية وإن القطيعة ستصل إلى الأبناء والله لا يرضى بذلك. غربة وسفر ماذا يفعل المحب عندما يواجه طريقا مسدودا أمام قلبه؟ قررت السفر إلى دبي وأثناء استعدادي للسفر حاول أهلي منعي من السفر مزقوا تأشيرة الدخول وأخفوا جواز السفر وسط إلحاح أمي وتوسلاتها اخرجت بدل فاقد لجواز السفر وتأشيرة دخول جديدة ولم أخبر أهلي عن كل ذلك حتى حبيبتي . يتوقف برهة ويكمل عندما وصلت أرض الإمارات العربية ، اتصلت بهم لأخبرهم بأني قد نفذت وعيدي وسافرت من البلاد وكانت صدمة لم تخطر لهم على بال . نداء الحب لم يتوقف احمد عن حبه إذ قام بمهاتفة محبوبته ووعدها باستخراج تأشيرة لها كي تلحق به إلى الإمارات بعد ثلاثة شهور. في تلك الفترة رضخ والدي لإلحاح والدتي وقبل تزويجي ممن أحب وعندما أبلغني أهلي بقراره قلت أريد أن أسمع ذلك من والدي اتصل بي ليبلغني عن تغيير رأيه السابق . لكنني قلت له بحسم لن أرجع ولن أتزوجها. يبدو هذا محيرا أن يرفض احمد ما كان ينتظره، سألناه عن السبب فقال أرفض أن يفرض أبي شخصيته علي مهما كان القرار الذي سيترتب على تصرفي وأن كان الثمن حبي الوحيد . إنها الكرامة إذاً وعندما تلتقط المحبوبة العبرة من رفض حبيبها الاقتران بها بتأثير موافقة الأب، تبادله التحية ولو إلى حين. البنت تعبت معي حقا وكانت ترفض جميع من يتقدم لها على الرغم من جمالها الصارخ والفرص الذهبية التي صادفتها الا أنها قبلت أحد المتقدمين سافرت معه إلى عمان حيث يعمل عرفت بذلك من والدتها، وبصراحة أصبت بصدمة ضحكت على أثرها طلبت منها رقم هاتفها، فرفضت ان تعطيني اياه خوفا من أن أتسبب لها بمشاكل . لم أيأس بحثت عن رقم هاتفها إلى أن وجدته وحادثتها كنت أتمنى أن أحدثها لساعة زمن ولو كانت الأخيرة في حياتي لأؤكد لها حبي الذي لم يكتب له النجاح ويكلل بالزواج بسبب الآخرين .. كان لي ما أردت فرأيتها في احد الايام. ما تبقى من حب سألناه .. هل كان ذلك آخر لقاء بينكما؟ هز رأسه بالنفي وأكمل روايته، الصيف الماضي زرت العراق والتقيت شقيقها صدفة فدعاني إلى منزلهم هناك رأيتها والتقت عيني بعينها حكت أعيننا قصة حب مطعونة ، قالت لي لحظات وأعود، عادت وفي يدها طفل صغير سلمتني إياه ولما سألتها عن اسمه قالت لي أسمه احمد يا احمد . بقية القصة هي أنني لم اتزوج حتى اليوم ولم أقابل الفتاة التي تنسيني حبي بل ومن الصعب أن اتخذ قرارا بالزواج . ما تبقى من قصة احمد ذكرى باقية، اسم يذكرنا بمن أحببنا ذات يوم، فالحب على رغم كل مراراته لا ينسى، قل انه لا يموت. مات قيس وماتت ليلى منذ قرون لكن قصة حبهما ماتزال تعبر التاريخ . وهل يمكن لنا ان نهمل هذه الحقيقة