الاتجاه الطبي الحديث في تصنيف الأمراض النفسية:
منذ عام 1950، قدمت الجمعية الأميركية لأطباء النفس تصنيفا خاصا للأمراض النفسية يضم ستة عشر نوعا من الأمراض النفسية والعقلية، وإن العديد من أطباء علم النفس في الولايات المتحدة وخارجها يستخدمون هذا التصنيف علما بأن هناك تصنيفا عالميا خاصا للأمراض النفسية يسمى بالإنجليزية (I C D) International Classification of Disease، ولا يزال يستخدمه كثير من أطباء علم النفس في تشخيص الأمراض النفسية.
فيما يلي التصنيفات الستة عشر للأمراض النفسية طبقا لدليل الجمعية الأميركية لأطباء النفس:
أمراض نفسية في مرحلة الطفولة:
يضم هذا التصنيف حوالي 42 حالة مرضية نفسية والتي تظهر جميعها في مرحلة الطفولة المبكرة أو المتأخرة أو في مرحلة المراهقة.
الأمراض النفسية التي تظهر مبكرا في حياة الفرد هي التخلف العقلي الذي يتم تشخيصه المبكر من خلال معيارين هما:
1- تسجيل معدل أقل من 70 في اختبار الذكاء.
2- عدم القدرة على القيام بالمهام اليومية المهارية والحركية مثل تنظيف الأسنان، الذهاب إلى الحمام، خلع أو ارتداء الأحذية والملابس .. إلخ.
وتعتمد حالة أو درجة التخلف العقلي على الدرجة التي يحصل عليها الطفل في اختبار الذكاء ونوع التخلف المهاري اليدوي والحركي في تنفيذ المهام السلوكية الحركية اليومية، فعلى سبيل المثال الحصول على درجة 55 في اختبار الذكاء يعطي الطفل تخلفا عقليا من الدرجة المعتدلة بينما درجة 20 فما دون تصنف الحالة على أنها تخلف عقلي شديد.
وإلى جانب التخلف العقلي فإن الأمراض النفسية المبكرة تشمل أيضا الحالة التي تسمى بالنشاط المفرط الناجم عن نقص القدرة على الانتباه، والمصطلح العلمي لهذا المرض الطفولي هو Attention- Deficit Disorder وأهم الأعراض الدالة على حدوث المرض هي استمرار السلوك غير الطبيعي للطفل لمدة ستة أشهر خلال السنوات السبع الأولى من حياته والتي من شأنها منع الطفل من اكتساب أصدقاء في نفس مرحلته العمرية وكذلك فشل الطفل في التحصيل الدراسي مقارنة بأقرانه.
- الخلل العقلي العضوي:
هذا الجزء يضم حوالي 69خللا نفسيا وعقليا، وبالتالي فهو أكبر أجزاء أو تصنيفات الأمراض النفسية والعقلية.
معظم أمراض هذا الجزء تنجم عن حدوث أذى نفسي أو عضوي وذلك بسبب عوامل متعددة منها الشيخوخة والتقدم في العمر، واستخدام العقاقير والكحول والمخدرات أو بسبب أمراض جسدية معينة.
ويأتي على رأس قائمة الأمراض التي يضمها هذا القسم مرض الزهايمر ومرض النسيان.
الاستخدام المفرط للكحول والمخدرات المنبهة للجهاز العصبي :
يضم هذا الجزء حوالي 22 مرضا جميعها تنجم عن الاستخدام المفرط والمكثف للكحول والعقاقير التي تؤدي لإثارة الجهاز العصبي أو كبت نشاطه الوظيفي الطبيعي.
وبالرغم من إدراك الفرد للتأثير السلبي الناجم عن إدمان المخدرات والكحول على الصحة الشاملة فإنها تأتي على رأس قائمة هذا القسم من الأمراض النفسية، وهناك ضرورة للفصل بين الإدمان أو التعود (استخدام طويل بكميات معقولة) وبين سوء الاستخدام أي الاستخدام المفرط لكميات كثيرة وخلال وقت قصير.
الأمراض النفسية المفبركة أو الغير حقيقية
الولع أو الميل الغير طبيعي للتظاهر بالمرض رغم عدم وجوده.
الشيزوفرانيا أو ازدواج الشخصية :
أي أعراض تدل على الهلوسة وعدم ترابط التفكير والسلوك تأتي تحت هذا التصنيف وحسب رأي الجمعية الأميركية لأطباء النفس فإن هناك خمس درجات لمرض ازدواج الشخصية ومن أعراضها قلة أو ندرة الكلام والحديث مع الآخرين والاستمرار في اتخاذ أوضاع قوامية جامدة لمدة طويلة.
الشيزوفرينيا الناجمة عن الهلع والخوف هي نوع آخر من أنواع ازدواج الشخصية الشائعة بين الأفراد وتتميز بسيطرة الأوهام والهلوسة على حياة المريض وسلوكياته اليومية.
أمراض الوهم
يضم هذا القسم أنواعا عدة من الأمراض النفسية الناجمة عن سيطرة الأوهام على مشاعر وتفكير الشخص ولمدة لا تقل عن الشهر.
جنون العظمة :
عبارة عن مشاعر مبالغ فيها في تقييم الذات والقدرات .
أوهام الحب والتقدير من الآخرين :
عبارة عن شعور غامر وفياض بأن الشخص محبوب بدرجة كبيرة من شخص آخر أو أشخاص آخرين من طبقة اجتماعية أعلى أو من صاحب أو أصحاب مراكز وظيفية واجتماعية عليا والذين في حقيقة الأمر ليس لديهم هذه المشاعر نحو الشخص المريض.
أوهام الغيرة :
عبارة عن أوهام تسيطر على الزوج أو الزوجة بأن الطرف الآخر خائن وغير مخلص في مشاعره.
أمراض نفسية متفرقة :
يشمل هذا الجزء ما يسمى بالاضطرابات النفسية الحادة، ومن أهم أعراضه عدم القدرة على أداء المهام الحياتية اليومية في المجتمع بكفاءة وفاعلية رغم عدم وجود مرض ازدواج الشخصية.
هناك درجات من الاضطرابات العصبية الحادة أكثرها شيوعا هي الاضطرابات العصبية القصيرة الأمد وهي عبارة عن خلل مؤقت في الصحة النفسية يستمر من بضعة ساعات إلى شهر، ويتلاشى هذا الخلل من نفسه ويعود الفرد إلى السلوك الطبيعي بعد هذا الخلل المؤقت في صحته النفسية.
أمراض اضطراب النوم :
أهم أمراض النوم الشائعة هي الأرق وعدم القدرة على النوم بصورة طبيعية وكذلك النوم المفرط خلال النهار وعدم القدرة على الاستيقاظ من النوم بسرعة، وينشأ هذا المرض بسبب أمراض عضوية أو بسبب استخدام عقاقير وأدوية، ويكون علاج الحالة بإزالة سبب المرض.
أمراض اضطراب المزاج :
هذا الجزء من الأمراض النفسية يشمل حالات مزاجية مثل النشوة والابتهاج والهوس أو الجنون المؤقت أو الاكتئاب المرضي والذي يمكن تشخيصه بسهولة أكثر من بقية الأمراض المزاجية لأنه مرتبط بالأعراض الستة التالية في حال استمرارها لمدة زمنية لا تقل عن أسبوعين:
· مزاج متعكر وغير طبيعي.
· فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية المعتادة.
· الأرق وعدم القدرة على النوم ليلا والميل للنوم خلال النهار.
· التعب والإجهاد العقلي والجسدي.
· الشعور بعدم الأهمية للآخرين وللمجتمع
· التفكير بالموت.
وحسب رأي الجمعية الأميركية لأطباء النفس، فإن هذه المجموعة من الأعراض ليست جزءا من ردة الفعل الطبيعية للإنسان عند فقدانه شخصا عزيزا عليه بدرجة كبيرة.
وعلى الطرف الآخر من الاضطرابات والخلل في الحالة المزاجية للفرد تقع ما تسمى بنوبات الهوس أو الولع بشيء معين، والمصطلح الطبي النفسي الذي يصف هذه الحالة هو Manic Episode ، والذي يوصف على أنه تملك وسيطرة مشاعر قوية غير طبيعية على المريض يصاحبها على الأقل ثلاثة أعراض من مجموعة الأعراض التالية:
· تقييم مبالغ للذات.
· نقص الرغبة والحاجة للنوم.
· الميل والاندفاع للكلام والحديث باستمرار.
· المبالغة في الانهماك بممارسات تجلب المتعة للفرد مثل التسوق أو المقامرة أو شرب الكحول أو الجنس.
عادة، فإن المريض يكون في غالب الأحوال غير قادر على أداء عمله اليومي بكفاءة وغير قادر أيضا على التعامل مع الآخرين بطريقة سوية وطبيعية.
أمراض القلق النفسي :
مجموعة الأمراض التي تقع ضمن هذا التصنيف يجمع بينها قاسم مشترك وهو المبالغة في ردة الفعل للمواقف والأحداث التي يمرون بها أو يتعرضون لها في حياتهم اليومية والتي في غالب الأحيان تكون مواقف وأحداث عادية لا تستدعي ردة الفعل التي يبديها المصابون بهذا النوع من الأمراض النفسية إضافة إلى أن مشاعر الخوف والهلع والتوتر العضلي في الحياة اليومية للمريض.
من بين أمراض القلق النفسي (أمراض الهلع الزائد) التسعة المصنفة تحت هذا النوع من الأمراض النفسية يأتي مرض الخوف من الساحات أو الفضاء الخالي كنموذج أصلي لبقية أمراض الخوف الأخرى الثمانية.
من أعراض هذا المرض هو إصابة المريض بحالات تعرق شديد وارتعاش وربما الإغماء عند الرحيل أو الانتقال من مكان مألوف للمريض إلى مكان غير معروف له، رغم أن المكان الجديد ربما يكون أكثر أمانا وبهجة. وحسب رأي علماء النفس فإن سبب الخوف والهلع في بعض الحالات يعود لتعرض المريض إلى حادثة في سنين سابقة سببت له خوفا وهلعا شديدا بقيت رواسبه في أعماق النفس لسنين طويلة.
الأمراض النفسية :
هذا الجزء من الأمراض النفسية عبارة عن ظهور أعراض أمراض جسدية مثل الألم والغثيان والتي لا يوجد لها سبب فسيولوجي واضح مثل خلل في وظيفة أحد أعضاء أو أجهزة الجسم الفسيولوجية أو حدوث أذى خارجي للجسم.
هناك سبعة أمراض نفسية تندرج تحت هذا التصنيف ولكن نموذجها الأصلي هو مرض الخوف من المرض، ومن أعراضه الرئيسية حدوث نوبة خوف وهلع مفاجئة من الإصابة بمرض خطير قد يؤدي للموت واستمرار هذه الحالة من الخوف والهلع لمدة تزيد عن ستة أشهر رغم تأكيد الطبيب أو الجهاز الطبي المشرف على العلاج بأن حالة المريض الصحية ممتازة ولا يوجد أي داع لهذا القلق والخوف الذي لا أساس طبي له.
الشكوى من الألم المستمر رغم غياب أي أدلة طبية تبرر حدوث الألم، هو أيضا من الأمراض النفسية.
الأمراض النفسية الجنسية:
هذا الجزء من الأمراض النفسية يشمل الشذوذ الجنسي والذي يضم حوالي تسعة أمراض منها تفضيل نفس الجنسين كرفيق جنسي إضافة للأمراض النفسية الجنسية التالية:
· الاستمتاع برؤية كل شيء له علاقة بالجنس.
· الاستمتاع بمشاهدة كل ما يذكر المريض جنسيا برفيقه الجنسي.
· الاستمتاع بمشاهدة الصور الجنسية.
· الاستمتاع بممارسة الجنس مع الأطفال.
· الاستمتاع بمراقبة العلاقة الجنسية للآخرين أو على الفيديو.
· الاستمتاع بإلحاق الأذى الجسدي أو النفسي بالجنس الآخر أثناء الممارسة الجنسية، عكس السادية أي الاستمتاع بالتعرض للأذى سواء الجسدي أو النفسي أثناء ممارسة الجنس.
· مشاكل في الإثارة الجنسية مثل البرود الجنسي وعدم الاهتمام بالجنس كليا.
أمراض الانفصال عن الواقع :
هناك خمسة أمراض تندرج تحت هذا التصنيف وفي كل منها يحدث فقدان الترابط والانسجام في شخصية الإنسان العادية بحيث يحدث انفصام في الشخصية أو تغيير كلي في الشخصية.
فإن المريض تتملكه شخصيتان مختلفتان أو أكثر خلال اليوم أو خلال فترات قصيرة غير متباعدة بحيث يظهر سلوكيات مختلفة تتناسب مع الشخصية المسيطرة نفسيا على المريض.
أما في مرض الهروب من المنزل أو البيئة المحيطة، فإن المريض يترك المنزل أو حتى المدينة التي يعيش فيها إلى مدينة أخرى وربما إلى دولة أخرى، وذلك فجأة ودون سابق إنذار أو تبليغ حتى للأهل، عادة عند حدوث نوبة المرض، يصاب الفرد بفقدان للذاكرة، وبالتالي يستمر المريض في حياته العادية تحت اسم وشخصية جديدة.
عدم القدرة على التكيف (سوء التكيف) :
في بعض الأحيان، فإن استجابة الفرد للضغوط النفسية اليومية التي يتعرض لها واعتاد عليها، تكون من النوع الغير مقبول اجتماعيا، وإذا نجم عن ردة الفعل هذه مشاكل في العمل أو المنزل واستمرار هذا الحال لمدة ستة أشهر أو أكثر دون توقف الفرد عن إظهار ردود الأفعال السلبية هذه رغم ما تسببه من مشاكل لنفسه وتغيره، فإن هذا الشخص يعتبر مصابا بمرض عدم القدرة على التكيف.
وهناك تسعة أنواع تندرج تحت هذا التصنيف للأمراض النفسية، وعادة فإن نوع المرض يعتمد على نوع الأعراض الأكثر وضوحا في سلوكيات المريض، فعلى سبيل المثال في مرض الانسحاب الاجتماعي الناجم عن سوء التكيف، يقوم المريض فقط باعتزال الآخرين والمجتمع بحيث يمتنع عن مقابلة الأفراد والجماعات وبدون أي مظاهر أو أعراض تدل على وجود حالة قلق أو اكتئاب عند المريض.
نوع آخر من هذا الجزء من الأمراض النفسية ما يسمى بمرض فقدان القدرة على العمل بفاعلية. ومن أبرز مظاهر المرض هو الشعور المفاجئ عند المريض بعدم قدرته على أداء عمله أو مهامه اليومية بكفاءة وفاعلية يومية رغم أنه أظهر، وفي الماضي القريب، كفاءة عالية في أداء هذه المهام الموكلة إليه.
أمراض الشخصية الغير سوية:
هناك حوالي 12 مرضا يندرج تحت هذا النوع من الأمراض النفسية أشهرها مرض العداء للمجتمع، ويكون للمريض سجل حافل في إلحاق الأذى بالآخرين وحتى الحيوانات الأليفة إضافة لمواصفات أخرى مثل حب التخريب والتدمير الآخرين..
نوع آخر من أمراض الشخصية الغير سوية هو مرض الشخصية المتكلفة أو المصطنعة والتي تتميز بالولع الشديد في جذب انتباه الآخرين منذ بداية سن البلوغ.
أيضا، من سمات الشخصية الواضحة لدى المصابين بالمرض ما يلي:
· السعي الدؤوب والمتواصل لكسب مديح وثناء الآخرين.
· الاهتمام المبالغ فيه باكتساب الجاذبية الجسمية وذلك لجلب اهتمام ومديح الآخرين.
· الميل والحاجة للإشباع الفوري للرغبات والاحتياجات الشخصية.
فقدان السيطرة على السلوك
المصاب بهذه المجموعة من الأمراض تنتابه فجأة مشاعر ورغبة جياشة في الخروج عن السلوك الاجتماعي المقبول، وهناك ستة أنواع لهذا المرض وأكثرها شيوعا هي:
· الرقة الغير مبررة : في هذا المرض لا يتردد المريض في سرقة أشياء لا يحتاجها بل ويستطيع دفع ثمنها وشراءها دون إرهاق لميزانيته المالية.
· الرغبة الجامحة في المقامرة ولعب القمار.
· انتزاع شعر الرأس: المصابون بهذا المرض يجدون المتعة في انتزاع شعرات قليلة من الرأس بين الحين والآخر..