واقعة بلومي ليست مرجعية
الصراع الكروي المصري الجزائري*
"محمود معروف"؟.. اسم يقفز دائما للواجهة كلما شرع الإعلام في
الحديث عن المقابلات الجزائرية ــ المصرية؛ فالرجل يملك الكثير من الأسرار التي
سجلها عبر معايشته لمعظم الأحداث الرياضية خلال العقود الماضية، وفي حوارنا معه
يكشف الرجل لأول مرة عن خبايا الصراع الكروي بين الفراعنة والخضر، ليقدم وجهة النظر
المصرية حول هذا الصراع، معلنا بكل وضوح أن مصر هي التي ستتأهل لتصفيات مونديال
2010، وقبيل هذا التاريخ وعلى مدار الشهور القادمة يستعد الرجل لكشف الأسرار التي
أدلى بها لنا.
لماذا تعتبرك وسائل الإعلام
العربية الشاهد الأول على الصراع الكروي
العربي؟
- لا توجد أية حساسيات رياضية في العالم العربي إلا بين
الجمهورين المصري والجزائري، وأرى أن الجمهور الجزائري هو المتسبب في هذه الحساسية
غير المبررة، دين واحد ولغة واحدة وتاريخ واحد وتضحيات متبادلة قلما نجدها بين
بلدين آخرين، وفي النهاية صراع وكراهية لا نظير لهما في أي مكان آخر
في العالم كله.
الشعب الجزائري منتم لأمته
ومخلص لأشقائه، لكنه لا يرضى الضيم ولا يقبل الإجحاف به، فهو
دائما في موقع الرد على المسيئين له.. فعلى أي أساس تكيل
الاتهامات؟
- وأي إساءة قدمها الشعب المصري لشقيقه الجزائري؟!، المصريون
يعشقون الجزائر بكل جوارحهم، ويتعاطفون مع الشعب الجزائري في كل أزماته ومحنه،
وأذكر أيام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كيف وضعت امكانات الدولة المصرية كلها من
أجل الثورة الجزائرية، وأذكر أيضا أثناء طفولتي حادثة ملحمية نضالية
عظيمة، حينما أعلنت مصر فتح باب الجهاد للمصريين في الجزائر،
فتقدم عشرات الآلاف لمراكز التجنيد،
هناك أحداث تركت أثرا
غائرا في نفوس الجزائريين، مثل تحطيم مستقبل اللاعب الدولي
لخضر بلومي على يد المصريين.. فلماذا تنظر للأمر بعين واحدة؟
- لا تخلط الأمور، واقعة بلومي ليست مرجعية لهذا الصراع، بل كانت
إحدى حلقاته. أنا رأيت بعيني قبل أن تولد أنت ما تفعله الجماهير الجزائرية بالبعثات
الرياضية المصرية قبل هذا التاريخ بكثير، وسأروي لك واقعة مؤسفة سبقت مباراة 1989
بحوالي 11 سنة، كانت تحديدا في عام 1978، حينما أقيمت دورة الألعاب العربية في
الجزائر، وكانت مصر أكبر المشاركين في تلك الدورة، وشملت بعثتها 380 رياضيا، وحدث
أثناء مباراة لكرة القدم بين الفريقين المصري والليبي أن اكتظ ملعب 05 جويلية
بالجماهير الجزائرية التي جاءت لتناصر الفريق الليبي، ليس لشيء إلا لأنه يلعب ضد
المنتخب المصري، فبمجرد أن سجلت مصر الهدف الأول في مرمى الفريق الليبي، هرول حارس
المرمى الليبي ليعتدي على حكم المباراة، وفجأة نزلت الجماهير الجزائرية لأرض الملعب
متحدية رجال الأمن المكلفين بحماية المباراة، وهجموا على اللاعبين المصريين.
ولكني لم أسمع بروايتك هذه
من قبل.. فما الدليل على صدقها؟
- توجد أشرطة فيديو تسجل تفاصيل الواقعة، والمسؤولون الرياضيون
في الجزائر لا يستطيعون إنكارها، وأذكر أنه في اليوم الموالي لهذه الأحداث كلف
الرئيس المصري الراحل أنور السادات رئيس الوزراء ووزير الداخلية "ممدوح سالم"
بإرسال طائرة خاصة للجزائر لتنقل
جميع أفراد البعثة المصرية، وبالفعل انسحبت مصر من
الدورة لتفشل فشلا ذريعا، ويسجل التاريخ حتى اليوم أن دورة
الألعاب العربية التي أقيمت في الجزائر عام 78 هي الأفشل على
الإطلاق.
الجماهير الجزائرية تحب
فريقها الوطني، وهي في حالة نقم شديد جراء بعض الأحداث
المرتبطة دائما بمصر، فلماذا يتعامل المصريون مع الأمر بهذا
المنطق؟
- أنا أؤكد لك أن الجزائر في قلب كل مصري ومصرية، أنا شخصيا
شاهدت وتعرضت لكثير من الإيذاء في الجزائر، ورغم ذلك لم يؤثر ذلك على حبي للجزائر
وللجزائريين، فمصر والمصريون أكبر من هذه المهاترات، نحن شعب لا تعرف الكراهية
طريقا لقلوبنا، ثقافتنا وتاريخنا يأبيان أن يحولا صراعا رياضيا إلى عداوة بين
الأشقاء، لذا نشعر بأسى عميق ونتعجب ممن يردون على يدنا الممدودة بالخير بهذا
الشكل، فهل يعقل أن يكون جزاء سماحتنا اعتداءات وتجاوزات من الطرف الآخر كلما سنحت
الفرصة؟
الجزائريون يلمسون إجحافا
وتعجرفا من قبل المصريين.. والشعب الجزائري أنفه في السماء ولا
يقبل مثل هذه النظرة الاستعلائية التي تتجسد قبيل اللقاءات
الرياضية؟
- هذا كلام خاطئ، المصري سواء كان رياضيا أو مسؤولا إنسان متواضع،
أما فيما يخص الأحاديث الرياضية فنحن منطقيون وواقعيون لأبعد مدى فيها، فلا يعقل أن
نكون متأكدين من جدارة المنتخب المصري بالتأهل لنهائيات كأس العالم ونقول عكس ذلك،
فلا الجمهور سيصدقنا، وحتى الآخر نفسه سيعتبرنا مراوغين ومخادعين.
لا خلاف إفريقيا على قوة
الفريق المصري في هذه المرحلة.. لكن هل ترى أن هذا يمنحكم
الحق للتحدث عن التأهل للمونديال دون أي اعتبار للفريق
الجزائري؟
- من قال ذلك؟!.. أولا لم يصرح مسؤول مصري واحد بأن مصر تأهلت
بالفعل لتصفيات كأس العالم، وكل الأحاديث جاءت من الجماهير وبعض اللاعبين التي
تتحدث دائما بأمل وتفاؤل، أما نحن كمعلقين رياضيين وبحكم عملنا ندرس ونقيم ونستخلص
النتائج، والتي تصب كلها في اتجاه تأهل المنتخب المصري بإذن الله.
يشن الإعلام المصري الآن
حملة نفسية، فهل هي لتحفيز المصريين أم لإخافة
الخصوم؟
- لا أرى أن التسمية صحيحة، ونحن نعرف كيف نؤدي رسالتنا بأمانة،
فلو هاجمنا فريقنا وتطرقنا للمشاكل والخلافات أعتقد أن المنتخب المصري هو فزاعة
المنتخبات الإفريقية كلها، أما اللاعبون المصريون وفي مقدمتهم عمرو زكي وأبو تريكة
وزيدان فقد تعدّوا مرحلة النجومية ليصبحوا أشباحا تؤرق مضاجع المدربين
وترعب حراس المرمى والمدافعين.
لكن كرة القدم لا تخضع
لحسابات الورقة والقلم وكل شيء فيها ممكن.. فلم هذه الثقة
الزائدة؟
- حسابات الورقة والقلم تكون دقيقة وصائبة عندما نتحدث عن أحداث
جارية وليس تاريخا، فنحن لا نركن الآن إلى عدد مرات الفوز وعدد البطولات وما شابه،
بل نتحدث عن فريق حصل على كأس إفريقيا مرتين متتاليتين، وحصل على الميدالية الذهبية
في البطولة العربية، وهو نفس الفريق الذي سيخوض مبارايات المجموعة الثالثة، وأعتقد
أن المنطق يقول بأن الفريق المصري قادر إن شاء الله على التأهل بغض النظر عن قوة
منافسيه، فلا يوجد في إفريقيا من هو أقوى من الكاميرون وكوت دي فوار وغيرهما من
الفرق التي سحقها المنتخب المصري بجدارة.
وفي رأيك.. لمن ستكون
الغلبة في مباراتي الجزائر ومصر؟
- أجزم بأن مصر لن تهزم من الجزائر، وأثق أن
المنتخب المصري لن يخسر في الجزائر، وسيفوز في مصر، وإن كنت
أرى أن التأهل لتصفيات كأس العالم سيحسم مبكرا لصالح مصر
قبيل مبارة الجزائر في مصر.
الإعلام المصري متهم بتأجيج
الصراع بين الجماهير الجزائرية ونظيرتها المصرية.. كيف
ترد؟
- اتهام باطل.. بل على العكس هذه التهمة من المفروض توجيهها
للإعلام الجزائري. وبالمناسبة، أنا لم أنو التحرك بقوة هذه المرة إلا بعدما لامست
ما يقوم به الإعلام الجزائري من تصرفات.. لا أعلم إن كانت مقصودة أم عفوية.
أنت إعلامي وكان من
المفروض على وسائل الإعلام المصرية أن تفند هذا الصراع لإيجاد
طرق لحله؟
- الأمر ليس بهذه السهولة، فأنا واثق أن المصريين سيصابون
بصدمة شديدة عندما نتحدث لهم بالوثائق والصور عن مشوار من المآسي التي واجهتها
البعثات المصرية في الجزائر، وبالتالي نجد أنفسنا قد زدنا الطين بلة، فالشعب المصري
عاطفي جدا.
لا أختلف معك في ضرورة
جعل اللقاءات الجزائرية المصرية مثيرة وقوية، ولكنك تتحدث عنها
وكأنها ملحمة؟
- عندما تكون ملحمة كروية رائعة ونظيفة يقدم فيها الفريقان كل
ما عندهم، فهذا مقبولا بل ونتمناه من أعماقنا من أجل النهوض بكرة القدم العربية،
ففي هذه الحالة الكل سيستفيد، ودون النظر للنتائج، فكلا الفريقين المنتصر والمهزوم
سيكونان راضيين، وسينعكس ذلك على الجماهير، لكن عندما يكون اللعب غير نظيف داخل
الملعب وخارجه، وإقدام اللاعبين على تصرفات غير رياضية مصحوبة بعصبية، فهذا بدوره
سينعكس على الجماهير في المدرجات، وبالتالي يتحول الأمر إلى معركة وليست مباراة
كروية. والله إنني أحيانا أتمنى عودة زمن أبطال الكرة الجزائرية، بلومي وماجر
وغيرهما؛ لأن هؤلاء هم الذين شرفوا الكرة الجزائرية وحافظوا
على رونقها ورونق اللقاءات مع الجزائر.
ولو تأهل الفريق الجزائري
للمونديال.. هل ستشاركونه فرحته بنفس هذا
الشكل؟
- بالطبع.. وبالمناسبة، نحن أيضا سنعيش الفرحة وسيعيشها
المصريون كلهم، فما يهمنا أن يكون التمثيل عربيا، وان كنت أعود لأؤكد أن مصر أوفر
حظا في هذا السباق، أما إذا شاءت الأقدار غير ذلك فكل ما يهمنا لحظتها أن تصعد
الجزائر.
قبل أن نستبق الأحداث
ونغرق في الأحلام، الجزائريون مقتنعون بأن بلومي بريء من التهم
المنسوبة إليه.. فلماذا الإصرار المصري على
أذيته؟
- منذ أسابيع قليلة فتحت جريدة هذا الملف، وقدمت أدلة تشير إلى
براءة بلومي. التحقيق لقي صدى واسعا في مصر، ووصل للمسؤولين، وربما يعاد التحقيق في
القضية بعد اكتشاف الجاني الحقيقي فيها، وهو أيضا جزائري.
ضاع مستقبل لاعب دولي..
من المسؤول عن هذه الأخطاء؟
لو عدنا لذلك التاريخ، فإن الواقعة حدثت في فندق شيراطون المطار،
حيث كان الطبيب المصري "الضحية" يقضي عطلة من عمله بالسعودية في مصر، كان في
الاستقبال رفقة زوجته وأولاده، وفجأة هجم عليه الجاني بعد أن كسر زجاجة كبيرة ليغرس
عنقا في عين الطبيب، طبعا خر الضحية مغشيا عليه، في حين صرخ أحد الحضور "فعلها
بلومي.. فعلها اللاعب الجزائري". في ذلك الوقت استنكرت هذا بشدة؛ لأني أعرف أخلاق
بلومي جيدا، أما بلومي فقد كان متزنا ومتخلقا، لكن انتشرت شائعة وقتها تفيد بأن
بلومي ابن أخت الرئيس الراحل هواري بومدين، وهو ما أثار غضب المصريين، ولحد الساعة
لا يعرف المصريون حقيقة ما جرى بالضبط. نتمنى ان يغلق الملف وان نفتح صفحة جديدة،
لكن قبل ذلك نحن الآن نشدد ونطالب ان تقام مباراة الذهاب داخل الجزائر العاصمة؛ لأن
جميع المبارايات المصرية أجريت خارج الجزائر العاصمة، مما تسبب في إرهاق اللاعبين
وأعضاء البعثة.