إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].
أمَّا بعد:
فإن خير الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالةٌ.
إخواني:
تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بأخبار مختلفة، ومن ذلك الأخبار السياسية، وتولِّي النساءِ مسؤولياتٍ سياسيةً؛ فهذه رئيسة دولة، وهذه وزيرة، وهذه سفيرة، وهذه نائبة في البرلمان، إلى غير ذلك من المناصب المختلفة في البلاد الإسلامية والبلاد الكافرة، وحينما نتلقى أخبار تولي النساء هذه المناصب، أو جولات تلك النساء الرسمية، لا بد أن نكوِّن رأيًا، ونتخذ موقفًا تجاه هذا الحدث، وفي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ضعف وسائل الاتصال، وقلة انتشار الأخبار - حينما تولَّتِ امرأةٌ على فارس، لم يُغفِل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحدثَ، ولم يترك الناسَ يحدِّدون مواقفَهم بناء على قناعات شخصية مختلفة؛ بل بادر - صلى الله عليه وسلم - ببيان الموقف الشرعي لهذا الحدث، فعن أبي بكرة قال: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنتَ كسرى، قال: ((لن يفلح قوم ولَّوا أمرَهم امرأةً))؛ رواه البخاري (4425).
وفي هذه الخطبة أتعرض لبيان ما أعتقد أنه حكم الله في تولي المرأةِ المناصبَ السياسية، فإن أصبتُ فمن فضل الله عليَّ وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي المقصرة والشيطان، واللهُ - عز وجل - ورسوله بريئان مما أقول.
فأقول:
لا يجوز للمرأة أن تتولى الإمامة العظمى، فتكون هي المسؤولة الأولى في الدولة، سواء سُمِّيت ملكةً، أو رئيسة، أو أميرة المؤمنين، أو غير ذلك من الألفاظ، وعلى هذا أجمع المتقدِّمون، ولم يشذَّ عن ذلك إلا فرقةُ الشبيبية من الخوارج، ولا عبرة بخلاف المبتدعة؛ فلذا يكتفي العلماء المتقدمون بذِكر النصوص الواردة في حرمة تولي المرأة هذا المنصبَ، وبيان وجه الاستشهاد منها، ولا يردُّون على الشُّبه في هذا الباب؛ لعدم وجود الخلاف أصلاً، لا سيما أنه في السابق لم يكن يخوض في هذه المسائل إلا أهلُ الاختصاص، بخلاف بعض من كتب عن هذه المسألة من المتأخرين.
فمن شروط تولي الإمامة العظمى الذكورةُ، فالقوامة للرجال على النساء، وهذه القوامة عامة وخاصة، يبين ربنا هذا الحكم بقوله - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وإذا كان للرجل على المرأة القوامة الخاصة في البيت، فكيف يسوغ أن نجعل للمرأة القوامة عليه خارج البيت؟! فإذا كان الله قد حكم على المرأة بأن تكون محكومة في محيط الأسرة الصغير، بالرجل، فتجب طاعته بالمعروف {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، فتعالى الله أحكم الحاكمين، مَن شرعُه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] أن يعطيَها الحق في التصرف في الشؤون العامة، والولاية على المسلمين، فتحكم في أموالهم، ودمائهم، وأعراضهم، وتأمرهم وتنهاهم، فيجب عليهم طاعتُها، وتنفيذُ حكمها في ذلك.
فمَن كانت أقل كفاءةً في تدبير شؤون أسرةٍ، عددُ أفرادها في بعض الأحيان لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، فمِن باب أولى أن تكون أقل كفاءة في تدبير شؤون الأمة.
ثم إن الإمامة العظمى تتطلب من المرأة البروزَ ومخالطة الرجال، وهذا يخالف الأصل في المرأة المأمورة بالقرار في البيت، وعدم الخروج إلا لما لا بد منه لها أو لمجتمعها {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]، والخطاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وتدخل سائرُ النساء فيه بالمعنى، هذا لو لم يَرِدْ دليل يخص جميعَ النساء، كيف والأدلة الشرعية متكاثرة بلزوم النساء بيوتَهن، وعدم الخروج منها إلا للحاجة؟! وتولي الإمامة يستدعى كثرةَ الخروج من البيت، وقلة القرار فيه.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) خبرٌ لا يتخلف من الصادق المصدوق، وهذا الخبر بمعنى الأمر، وهو عام في كل قوم، وفي كل امرأة، وقد تقرر عند علماء الأصول أن النكرة في سياق النفي تعمُّ، كما في هذا الحديث، ولا يتبادر الذهن إلى نوع خاص من الفلاح ويقصر الحكم عليه، فالفلاح عام، يدخل فيه فلاحُ الدنيا والآخرة، والولايات كلها شُرعت لتحصيل المصالح ودرء المفاسد، فلا يبيح الشارع حكمًا حكم عليه بعدم الفلاح.
والولاية العظمى تستدعي السفرَ من غير مَحرَم غالبًا، والاجتماع المنفرد بالرجال المرؤوسين، وبغيرهم من الوفود، وهذان محذوران شرعيَّان، إضافة إلى المحاذير السابقة.
وإذا كان يُشترط في الإمامة العظمى الذكورة، فلا يصلح أن تتولى المرأة الإمامة العظمى، وتكون هي رأسَ الهرم في الدولة، فكذلك لا يصلح أن تنوب عن الإمام فيما فيه ولاية عامة على الناس، فلا يجوز أن تتقلد الوزارة، فلا تكون رئيسة للوزراء ولا وزيرةً، تفوض إليها أمور المسلمين فتحكم فيهم، ويكون أمرها نافذًا عليهم في أنفسهم، أو فيما يتعلق بأمور دنياهم، وكذلك الحكم في التولي على بعض الأقاليم، فلا تكون أميرة المنطقة، أو حاكمة الإقليم، أو محافظة البلد، وكذلك لا يصح توليها للقضاء والحكم في أموال الناس ودمائهم وأعراضهم؛ لأن هؤلاء ينوبون عن الإمام في ولاية الناس العامة، ويخلفونه في صلاحياته، والمرأة ليست من أهل الولاية العامة؛ لذلك - إضافة إلى المحاذير المتقدمة التي لا بد من وقوعها بسبب الولاية - فلا يجوز للمرأة أن يكون لها ولاية عامة على الناس.
قال ابن قدامة في "المغني" (10/ 92): المرأة لا تصلح للإمامة العظمى، ولا لتولية البلدان؛ ولهذا لم يولِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أحدٌ من خلفائه، ولا مَن بعدهم، امرأةً قضاء ولا ولاية بلد، فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخلُ منه جميعُ الزمان غالبًا. اهـ .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالمجالس النيابية التنفيذية والتشريعية، التي ينتخب أعضاؤها لتمثيل الأمة في إدارة شؤون البلاد داخليًّا وخارجيًّا، وسن القوانين المستنبطة من الشريعة، وتلزم بها الأمة، أو لها صلاحية في اختيار الحاكم أو خلعه، ومحاسبة كبار المسؤولين في الدولة، فهذه المجالس لها ولاية وسلطة، سواء سمِّيت برلمانًا، أو مجلس شورى، أو مجلس شعب، أو غير ذلك، فلا يجوز للمرأة أن ترشح نفسها، أو يرشحها الناس لتكون عضوًا فيه؛ لما تقدم من الأدلة التي تدل على أنه ليس للمرأة ولاية عامة، وأمرها بالقرار بالبيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة، إضافة إلى سفرها من غير محرم داخل البلاد وخارجها، وخلوتها بالرجال الأجانب لمقتضيات العمل، لا بد أن تقع في ذلك المرأة من بدء الترشيح، مرورًا بالدعاية الانتخابية، وبعد دخولها في هذا المجلس.
فإذا كان ليس للمرأة الولاية العامة، وليس لها أن تتقلد هذه الولايات، فمشاركتها منكر تأباه الشريعةُ، وإنكار المنكر بالقلب من الواجبات العينية، وذلك بكراهته، واعتقاد حرمته، فهذا الواجب عينيٌّ على الجميع.
فالإسلام يقف موقفًا حازمًا من مشاركة المرأة في السياسة، ودخولها هذا المعترك الذي يشق على أقوياء الرجال؛ لطبيعة تكوين المرأة، وما يعتريها من تغيرات، والغرب الكافر الذي يدعو إلى مشاركة المرأة في اتخاذ القرارات السياسية، يدرك عدم جدوى ذلك، وأن الأمر متعلق بالرجال، والمرأة غير مهيئة لذلك، وذلك من خلال الواقع العملي لمشاركة المرأة في السياسة، فليقارن عدد النساء بالرجال في حكومات الغرب وبرلماناته.
فلم تُخلق المرأة لهذا؛ بل خلقت لتكون محضنًا يتربى فيه الأولاد، ويشعرون بعاطفة الأمومة، فيخرجون أسوياء، إضافة إلى سياسة بيتها، ومتابعة أولادها، وملاحظتهم من قرب، وما يطرأ عليهم من تغيرات، ((والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها))، وفي ترك هذا المجال صيانةٌ لها ممَّا يشينها، وحفظ عفتها وكرامتها، وليس ذلك حطًّا من مكانتها، أو انتقاصًا من قدرها؛ بل هذا إجلال لها وتوقير، وأعظم خدمة تقدمها المرأة لمجتمعها تفرُّغُها لما خُلقت له، ويتفرغ الرجل لما خُلق له، فعمل كل واحد منهما مكمل للآخر، لا مصادم له.
فالأصل في المرأة القرار في البيت، والعناية به، ولا يمنع أن تشارك في الأعمال الأخرى إذا احتاجت لذلك، أو احتيج إليها، فتشتغل في تربية وتعليم بنات جنسها، والعناية بهن، وتهذيب سلوكهن، ودلالتهن على الخير، وقيامها بالاحتساب على النساء أمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، وعملها كمرجع للنساء في الفتيا، لا سيما ما يتعلق بالنساء، فهي أعلم من الرجل بذلك، وأقدر على إدراك الحادثة المسؤول عنها، كذلك عنايتها في تطبيب النساء، والمشاركة في هذا الجانب عبر الأعمال الرسمية أو التطوعية.