معا.
المجاملة وسيلة يستخدمها كثيرون لجذب الناس أو قد تكون سبيلا لإرضاء الطرف الآخر نعيشها اليوم بشكل متزايد مع تزايد تعقيدات الحياة.فتجد هذا الأسلوب يستخدم بشكل لا إرادي بين أصحابنا ورفاقنا وأهلنا, يتبعه كثيرون من خلال نسجهم لكلمات عذبة بهدف البعد عن المصارحة أو حتى الكلمات المباشرة والتي قد يتأذى المستمع منها. السؤال المحير والذي يطرح نفسه بقوة هو, هل كل مجامل منافق? وهل كل منافق مجامل? وما حدود المجاملة في الكلام? هل هي مقيدة?
يقول خليل إبراهيم 30) عاما) أرى أن المجاملة سلوك يتّبعه الإنسان لغاية اجتماعية القصد منها التودد والتقرب وإظهار الألفة أحياناً وقد تكون الغاية منها أحياناً بعث العزاء في نفس الآخر الذي يشعر بالنقص أو الحرج من شيء ما.
ويضيف خليل: النفاق هو سلوك انتهازي أي إظهار عكس ما نبطن أو نضمر للآخر بقصد تحقيق مكاسب معينة, وهو سلوك دنيء لأنه يتطلّب من صاحبه أن يكون قادراً على الكذب والرياء لغايات معينة.
ويرى خليل أن المجامل ليس بمنافق والعكس صحيح, ويقول صحيح أنني لا أفضل الأشخاص المجاملين, ولكنني أحترم أسلوبهم مادامت الغاية من ذلك نبيلة, وطبعاّ أتحملهم على مضض ولا أعتبرهم منافقين طالما لم أجد في مجاملتهم وسيلة لبلوغ غاية شخصية, ولو خيّرت بين السلوكين (المجاملة والنفاق) لما اخترت أياً منهما إلا في حالات استثنائية.
دليل خبث و رياء
علي عبدالله سلمان (18عاما) يرى أنه في الوقت الحالي كثير من الناس اتخذوا المجاملة هواية لهم, بل مهنة يستفيدون منها ويتفننون في تطوير أساليب المجاملة لديهم, وذلك كله لمصلحتهم الخاصة لا أكثر وليس لمصلحة المُجامَل.
بالاضافة إلى ذلك يرى أن استخدام المجاملة قد يكون أحيانا دليل الخبث ويستخدمها الناس أحيانا للوصول إلى أهدافهم الشخصية.
ويضيف فيما يتعلق بمجاملة الناس للبعض فانتظام الحياة في وقتنا الحالي تغير ولم يعد نيل المطالب إلا بالمجاملة والمنافقة وأما عن الصدق والعمل الخالص فلا فائدة منهما, في مجتمع يدعي أناسه إنهم ملائكة.
ويؤكد على ضرورة استخدام الصدق في التعامل والابتعاد عن التزلف المصطنع.
وتقول سارة (24عاما): قد أشعر بالمجاملة من طريقة كلامه ومبالغته فيها.. وإن كان يتكلم عني فأنا أعرف نفسي.. وإنه كلام لأجل التودد فما هو إلا كلام لا داعي له ومبالغ فيه.
وتضيف: المجاملة نوع من أنواع النفاق .. فالمنافق يظهر لنا بصورة مغايرة عما يدور في داخلة. فمثلا تجده يضحك مع هذا ويتكلم مع ذاك, وهو في واقع الأمر لا يطيق أيا منهما وكل ما في الأمر انه يهيئ كل شي لمصلحته الخاصة والأمر سيان مع المجامل.
وتستغرب سارة من أن الناس يجاملون بعضهم و ينافقون على بعضهم و هم يعلمون, ومع ذلك يشعرون بالسعادة بذلك وإذا واجهتهم بالحقيقة كرهوك وأحبوا من ينافقهم.
رنا (20 عاما قالت: المجاملة نوع من أنواع النفاق الاجتماعي يحسن التخلص منه, فليس هناك أجمل من الطبيعة والعفوية والتعبير بكل حرية.
وتضيف ليس للمجاملة حدود. فنحن الذين نضع لها حدودا كي تطغى على جميع تعاملاتنا الحياتية وتصبح في حدود المعقول ولا تكون طاغية إلى حد البلاهة.
وعن موقفها من إمكان العيش من دون مجاملة تقول: لا طبعا لا نستطيع وإلا سوف نقصد المدينة الفاضلة التي لا توجد إلا في أحلام الفلاسفة. ويقول المثل (إذا الشيء زاد عن حده انقلب ضده). وترى كذلك أن للمجاملة فوائد ومضار فمن فوائدها إصلاح الشأن بين متخاصمين على سبيل المثال أما مضارها فأسوأ من فوائدها, وتتساءل إلى متى سنظل نجامل ونكذب على الغير, ومثل ما يقال: الصراحة راحة والمجاملة نفاق.
لباقة كلامية
إبراهيم حبيب (24 عاما) يقول :ليس كل مجامل منافقا, والعكس أيضا ليس كل منافق مجاملا. المجاملة نوع من أنواع اللباقة الكلامية. هناك أشارات واضحة يستوحي من خلالها أي منا أن كان الشخص الذي يحدثه يجامله, فالإكثار من المديح الزائد عن شيء لا يستحق المديح أصلا, اختيار كلمات منمقة جديدة غير معتاد عليها هذا الشخص .. حينما اكتشف ذلك أحاول أن أوصل له أنني كشفت انه يجاملني, واجعله يعيد تقييم الوضع لكي يتحدث دون مجاملة.
وعن اختياره بين المجاملة والنفاق يقول : قطعا سأختار المجاملة. المجاملة تعني انك تهتم للذي أمامك وتحاول أن تتحدث عن محاسنه حتى وان كانت بسيطة, ولكن النفاق نابع من كره, فهو إضمار شيء وإظهار شيء آخر, كأن نضمر الحقد ونظهر المحبة.
تعقيب:
إن حداً أدنى من المجاملة هو أمر محمود, بل ومطلوب أيضا ًفنحن نحتاج من المجاملة بالقدر الذي يكفي فقط لإظهار تقديرنا واحترامنا للآخرين ولا شيء آخر, والحق أن معظم عللنا المستوطنة يعود سببها إلى النفاق, وهي التي تدفع بالشخص إلى التنازل عن مبادئه الكبيرة من أجل إرضاء طرف آخر تحت مبررات يختلقها لنفسه. المجاملة تسبب عمى للفرد, فلا يعود يرى الخطوط الفاصلة بين ما هو حق للناس وما هو افتراء على الحق. الشخص المصاب بداء النفاق يفتقد للقوة التي تبقيه شامخاً على مبادئه الشخصية ومبادئ عمله, إنه شخص يسهل قيادته وتوجيهه واختراقه